مساء الخير أحبتي، وشكرًا لهذه المنصة التي أتاحت لي الفرصة لأطرح جانبًا صغيرًا مما يحدث في سوريا. تذكرنا المشاهد التي نراها اليوم مع القيادة السورية الجديدة بتلك التي اعتدنا رؤيتها في عهد النظام السابق، من اجتماعات وزيارات ولقاءات ومشاورات على مستوى الرئاسة ومستويات أخرى، والتي تحمل رسائل مشفّرة وأخرى مباشرة. ثم يخرج بعدها مسؤول إعلامي ليكرر العبارة التقليدية: “تناولنا مع الجانب الفلاني القضايا الثنائية بين البلدين”، لكن الحقيقة أبعد من ذلك. الواقع أن بعض الدول تسارع اليوم لتقريب سوريا منها، أو لتقاسم ما تبقى منها، أو لاستغلال الفرصة الذهبية القادمة، وذلك من خلال فرض نفوذها على دمشق التي تعاني حاليًا من إنهاك سياسي وعسكري واقتصادي واجتماعي.
ولكي لا أطيل الحديث، سأعرض أمامكم – عزيزي المتابع للشأن السياسي – سيناريو ما جرى بالأمس، وتحديدًا على الساحة التركية. لقد لاحظنا جميعًا منذ الأيام الأولى لتغيّر القيادة في سوريا، اللهفة التركية للتقارب مع النظام الجديد، وهو ما يدعو للتساؤل. التحليل الأول يشير إلى أن لإسرائيل خريطة استعمارية تشمل حتى الجزء الشمالي من شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الجنوب التركي، ومكة والمدينة المنورة، وبلاد الشام، وغرب الفرات، وشبه جزيرة سيناء، والجزء الشرقي من نهر النيل، وهذا ما يثير قلق تركيا، ويدفعها نحو خطوات استراتيجية من بينها إقامة قواعد عسكرية جديدة في سوريا، وترسيم الحدود البحرية، والتوقيع على اتفاق رسمي مع الحكومة السورية الجديدة بعدم المطالبة بلواء إسكندرون، مقابل توقيع اتفاقيات دفاع مشترك وتعاون أمني ولوجستي، والمشاركة في إعادة إعمار سوريا ومساعدتها على النهوض اقتصاديًا.
أما التحليل الثاني، فينطلق من الواقع المعروف بأن العلاقات التركية الإسرائيلية متينة، وتربطها مصالح عسكرية واقتصادية، وأن تركيا كانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل. من وجهة نظري، فإن ما جرى في الأيام الماضية من ضربات إسرائيلية لمواقع الجيش السوري، وزعزعة الاستقرار في محافظة درعا، إضافة إلى التهديدات المباشرة وغير المباشرة الموجهة للقيادة السورية الجديدة، لم يكن بمعزل عن تنسيق تركي إسرائيلي، والهدف هو دفع القيادة السورية الجديدة لطلب الدعم والحماية من تركيا، وبالتالي يصبح الوجود العسكري التركي في سوريا شرعيًا ومرحبًا به، وتكون إسرائيل بذلك قد استبدلت النفوذ الإيراني في سوريا بالنفوذ التركي، دون أن تظهر مباشرة في الصورة.
أما السيناريو المحتمل… يتبع.
الكاتب السياسي (أ. ش)